♥♥♥لون حياتك♥♥♥

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

لَـوْن حَـيـآتِكَ ღ حَيثْ تَرسِمُ الحُروفْ مَعآني ღ


    حاسب نفسك بميزان المطالب الإلهية

    avatar
    ظبية الصواعيه


    المساهمات : 148
    تاريخ التسجيل : 25/03/2014
    العمر : 26

    حاسب نفسك بميزان المطالب الإلهية Empty حاسب نفسك بميزان المطالب الإلهية

    مُساهمة من طرف ظبية الصواعيه الإثنين مارس 31, 2014 2:35 am



    “يا ابن الوجود، حاسِبْ نَفْسَكَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُحَاسَبَ، لأَنَّ الْمَوْتَ يَأْتِيكَ بَغْتَةً وَتَقُومُ عَلَى الْحِسابِ فِي نَفْسِكَ.*1*


    ظاهر النّص أن محاسبة الإنسان لنفسه إبّان حياته على خلاف محاسبة الآخرة ليس مقصدها تأثيم أو عقاب، وإنما تنشد معرفة أحوال النّفس وهي أوّل الطريق المؤدي إلى الجَوْدِ والكمال،

    للحياة ثمار
    فهذه المحاسبة أو مراجعة الإنسان لنفسه في خُلوة وحُرمة، هي موهبة فطريّة ليتعرّف المرء على حقيقة ما يدور في جوانحه، ويملي عليه مواقفه، ويُفيض مشاعره، ويُزيّن له سلوكه. فهو نفسه في هذا الحين المحاسَب والمحاسِب والحكم في الوقت ذاته.
    ومكاشفة النّفس على هذا النّحو أشبه بحوار صريح متأمّل على ضوء فهم الإنسان لغايات وجوده في محاولة لتقييم جزئيّات حياته يوماً بيوم للتّعرف على ما ما سيغدو إليه ثمرها. والمقاييس التي تقوم عليها هذه المراجعة تعتمد كليّة على القيم التي يؤمن بها الإنسان وتصوّره لنموذج يرتضيه لرياضة نفسه وتقويمها تبعاً لمُُثُله. وقد سنّ حضرة بهاء الله معايير سهلة ومتلألئة بالأمل فما تقترحه من تدرّج: «…واجعلوا إشراقكم أفضل من عشيّكم وغدكم أحسن من أمسكم…»*2*. يحدّد هو أهدافه ساعياً ليكون غده خيراً من أمسه، لاشك هي السبيل لرياضة النّفس وتقويمها، ومن هذا المنظور هي إثراء لحياة الفرد والمجتمع ووسيلتهما لاستبدال أحوالهما بأخرى خير منها.
    فضلاً عن ذلك وعي الإنسان بشؤون نفسه وأحوالها هو فرض على الإنسان بواجب يستلزمه الوفاء بعهد الله، وتهذيب نفسه وفقاً للمعايير التي يصل إليها فهمه من الكلمات الإلهية والمقاييس المخزونة في الكَلِم المكنون.
    ورد نصّ حساب النّفس في الكلمات المكنونة التي وصفها حضرة بهاء الله بأنّها «…ما نزّل من جبروت العزّة بلسان القدرة والقوّة على النّبيين من قبل وإنّا أخذنا جواهره وأقمصناه قميص الاختصار فضلاً على الأحبار ليوفوا بعهد الله ويؤدّوا أماناته في أنفسهم وليكونّن بجوهر التّقى في أرض الرّوح من الفائزين»*3*.
    فهذا الجوهر المكنونة وإن خلا من الجديد الذي أتى به بهاء الله سوى التّركيز والتّجريد، إلاّ أنها تبقى في مجملها كما وصفها حضرته خلاصة للأحكام والتعاليم التي عبّرت عنها الرّسالات الإلهيّة الماضية بتفصيل وتشبيه واستعارة من ذلك على سبيل المثال لا الحصر قول السّيد المسيح «إسهروا وصلّوا لئلا تدخلوا في تجربة، أمّا الرّوح فنشيط وأمّا الجسد فضعيف»*4*، وذكر بولس الرّسول في رسالته الثّانية إلى أهل كورنثوس: «جرّبوا أنفسكم هل أنتم في الإيمان. امتحنوا أنفسكم. أم لستم تعرفون أنفسكم أنّ يسوع المسيح هو فيكم إن لم تكونوا مرفوضين.»*5*، وقوله تعالى في القرآن الكريم: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ»*6*. وهذه الوصايا تقدّمها اليوم الكلمات المكنونة في عبارات موجزة أشبه بمواد دستور للسلوك الرّوحانيّ والعلاقات الاجتماعيّة مطهّرة من شوائب التّفسير والتّحليل البشريّ تيسيراً على الذين يرومون الوفاء بعهد الله.
    ومع ذلك فإنّ ما جاء في الكلم المكنون قد أضاف عنصراًً لم يكن بادياً في الرّسالات السّابقة فجعل محاسبة النّفس واجباً يوميّاً كما أبان حضرة عبد البهاء – الذي عهد إليه بهاء الله تفسير كلماته – في أحد مكاتيبه بالفارسيّة: يجب علينا جميعاً تلاوة الكلمات المكنونة العربيّة والفارسيّة صباحاً ومساءً والتّبتل والتّضرّع لكي يوفقنا الله على السّلوك وفقاً لما جاء في هذه الوصايا الإلهيّة، فهذه الكلمات المقدّسة لم تُنزّل لكي تُتلى فحسب بل لكي نقوم باتباعها.*7* لكي يفي الإنسان بما عاهد عليه من امتثال للأحكام الإلهية عن وعي وإرادة حرّة واقتناع.
    وتصديق حضرة بهاء الله لما بين يديه من دعوات سابقة ذات مغزى ودلالة بالغة الأهميّة. فتصديق المظهر الإلهيّ على ما جاء به الأنبياء السّابقين جزم بأن الدّين شأن واحد ونهج يمتدّ عبر الزّمان ليصل الرّسالات الإلهيّة بعضها ببعض كخطّة إلهيّة أزليّة واحدة، ويجعل من نصوص الكتب المقدّّسة مؤشراً يبيّن المراحل التي اجتازتها البشريّة في رحلة نضجها وبلوغها المديدة.
    والميزان في تقييم الإنسان لأعماله وأفكاره ومشاعره، هو معرفته الشّخصيّة بالمطالب الإلهيّة وهي على درجات غالباً ما يكتفي الشّارع بالنّصّ على حدّها الأدنى تاركاً للمرء خيار السّعي إلى بلوغ مستويات أعلى. تفضل حضرة بهاء الله الكلم المكنون في بيان التفاوت بين العدل والفضل بقوله: «يا ابن الإنسان، إن تكون ناظراً إلى الفضل ضع ما ينفعك وخذ ما ينتفع به العباد، وإن تكن ناظراً إلى العدل اختر لدونك ما تختار لنفسك»*8*.
    ففي العدل مساواة وهذا حسن ولكن الفضل أحسن لما يتضمّنه من تضحية بالمنافع الخاصّة من أجل تحقيق المصلحة العامّة. وبذلك يتم خلق بيئة اجتماعية تسودها روح البذل والعطاء، وفيها يضع أفرادها نصب أعينهم نفع الآخرين إما بمساواتها بنفع أنفسهم أو بتقديمها على أنفسهم، والحدّ الأدنى في هذه لمعادلة هو العدل وهو أضعف الإيمان، وما دونه تعدٍّ وعسف.
    ولكي تتمّ مراجعة النّفس بمثل هذه المقاييس الرفيعة يحتاج الإنسان إلى فكر مستقلّ في اختيار موازينه وفي إجراء تقييمه، وهذه مسؤولية كبيرة يضطلّع بها الإنسان نفسه بمنئ عن آراء الغير – سواء أكانت زعامات دينيّة أم تقاليد وأعراف سائدة، فإدخال أيّ من هذه العوامل في الحسبان قد يفرغ محاسبة النّفس من عمق معناها ونُبل أهدافها .
    ولا يقتصر الحساب على الأعمال الصادرة عنه وحدها بل يمتدّ أيضاً إلى القيم ويشمل المعتقدات التي يستند إليها المرء في هذه المحسابة، فإن استند إلى مفاهيم خاطئة وأوهام متوارثة من العصور الغابرة فنتائج حسابه تكون محلّ نظر، لأن الظّروف والموازين والأفهام تتغيّر من عصر إلى آخر مع تقدّم الوعي والمعرفة واكتشاف حقائق لم تكن معروفة للأجيال السّالفة.
    و المبدأ نفسه ينطبق على كثير من المسائل التي كانت أمراً مشروعاً وأزال التّطور والتّغيير مشروعيتها. مثل سبي النّساء، وامتلاك الجواري، وإباحة الرّق، والإثراء بجمع الغنائم، وفرض الأتاوات وغير ذلك من الممارسات التي يستنكرها الرّقيّ الذي بلغته الإنسانيّة في حاضرها. فالقيم والأخلاق وقواعد السّلوك فروع مستمدة من المعتقدات الدّينيّة التي تتأثّر ضرورةً بمرور الزّمن.
    خلاصة القول أن على المحاسب لنفسه أن يراجع أعماله بعين الواقع وبأمانة مع مراعاة المبادئ التي يعتمد عليها في تقييم سلوكه على أساسها لأنّها نسبيّة وتتغيّر وفقاً للتّقدم الإنسانيّ وتغيّر ظروف الحياة. مواجهة النّفس بصدق تتطلب أن يغور الإنسان في أعماق قرارتها ليتعرّف على حقيقة مقاصدها، ولا يقصر اختباره على الأعمال الظّاهرة وحدها، بل يُدخل في فحصه وتمحيصه النّوايا، فكثيراً ما أفسدت النّوايا السّيئة أعمالاً بدت مقبولةً في ظاهرها، والعمل قد يبدو للعِيان مشروعاً ولكن تكون الدّوافع إليه غير مشروعة.
    حبّذا ذلك العالم الذي يخلقه ويقوده شعور كل فرد فيه بواجبه الوجدانيّ في محاسبة نفسه في كل يوم بمعايير على مستوى رفيع من القيم الخلقيّة. أين هذا العالم الجديد الذي نقف على أعتابه من المجتمعات السّابقة التي سادها التّعصب بأنواعه، وقيّدها الفكر المنغلق على الذّات، ومزّقته وهدّمته وأفقرته الحروب، ولوّثه الحرص على المصالح الخاّصة على حساب مصالح الإنسانيّة. فلنعاون معاً يداً بيد وبقين وطيد بمجيء ذلك اليوم الذي يتحرّر فيه العالم من تلك النقائص والنّوائب ويعتلي موضعه في التّاريخ برؤية شاملة للعالم الإنسانيّ وبحبّ من غير حدود.



      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد نوفمبر 24, 2024 9:41 pm